آية اليوم

Post Top Ad

Your Ad Spot

Monday, February 24, 2025

طريق الآلام – رواية فلسطين في عيون مسيحييّها

 


رام الله - موقع الفادي

بقلم ماريا قبارة

في عالم تسوده الرّوايات المتعدّدة والصّور المشوّهة، يأتي الفيلم الوثائقيّ طريق الآلام – رواية فلسطين في عيون مسيحييّها”، ليقدّم شهادة حيّة، توثّق معاناة وصمود المسيحيّين الفلسطينيّين في وجه الاحتلال الإسرائيلي والتّهميش المستمر. هذا العمل، الّذي يعدّ الأول من نوعه، ليس مجرد سرد تاريخي، بل هو توثيق نضالي يرصد جذور الوجود المسيحيّ في فلسطين، ويكشف التّحديات الّتي تواجههم حتّى اليوم.

تمّ إطلاق العرض الأول للفيلم في جنيف، تحت رعاية مجلس الكنائس العالمي، حيث شهد الحدث حضور نخبة من الشّخصيات الدّينيّة والسّياسية والإعلاميّة البارزة، ممّا يبرز الأهمية الكبيرة لهذا العمل. كان من أبرز الحضور غبطة البطريرك ثيوفيلوس الثّالث، بطريرك القدس وسائر أعمال فلسطين، إلى جانب الأمين العام لمجلس الكنائس العالمي، القس الدكتور جيري بيلاي، والدكتور رمزي خوري، عضو اللّجنة التّنفيذية لمنظمة التّحرير الفلسطينيّة ورئيس اللّجنة الرئاسيّة لشؤون الكنائس في فلسطين. كما حضر الفعالية عدد من الدّبلوماسيين والباحثين والمفكرين، مما يعكس عمق الاهتمام والتّقدير لهذا الفيلم.

أكدّت الكلمات الافتتاحيّة الّتي ألقاها كلّ من الأمين العام لمجلس الكنائس العالمي، وغبطة البطريرك ثيوفيلوس الثّالث، ومخرجة الفيلم أميرة حنانيا، على أهمية الفيلم كتوثيق ضروري للحفاظ على الذّاكرة التّاريخيّة. وقد شدّد المتحدثون على ضرورة دعم الوجود المسيحي الفلسطيني في مواجهة التّحديات المتزايدة. كما أشار الحضور إلى أنّ هذا العمل يعيد تسليط الضّوء على معاناة الفلسطينيّين المسيحييّن، الّذين ظلّوا ويظلّون جزءًا لا يتجزأ من النّسيج الفلسطيني المقاوم.

ينقسم الفيلم إلى أربعة أجزاء، تأخذ المُشاهد في رحلة عِبر الزّمن، بدايةً من ميلاد السّيد المسيح مرورًا بمراحل الاضطهاد المختلفة، سواء في الحقبة الرّومانيّة أو العصور الإسلاميّة والعثمانيّة، وصولًا إلى النّكبة الفلسطينيّة والاحتلال الإسرائيلي. يسلط الضّوء على دور المسيحييّن الفلسطينييّن في النّضال الوطني، ودور الكنائس كمراكز مقاومة وصمود، وصولًا إلى التّهديدات المعاصرة الّتي تؤدي إلى تناقص أعدادهم نتيجة التّهجير القسري وسياسات التّمييز.

ما يميّز طريق الآلام” هو أنّه يتجاوز مجرد العرض الوثائقي، ليكون صوتًا للمسيحيّين الفلسطينييّن الّذين طالما تعرّضت هويتهم للتّهميش. يوضّح الفيلم كيف أنّ تناقص عددهم ليس ناتجًا عن هجرة طوعية، بل عن ظروف قاهرة وسياسات اضطهاد ممنهجة تسعى إلى اقتلاعهم من أرضهم.

وراء فيلم طريق الآلام – رواية فلسطين في عيون مسيحيّيها” تقف شخصيّة استثنائيّة، أميرة حنانيا، الدّبلوماسية الفّلسطينيّة وعضو اللّجنة الرئاسيّة لشؤون الكنائس في فلسطين وممثلّتها في أوروبا. كرّست مسيرتها لنقل معاناة المسيحيّين الفلسطينييّن إلى العالم، مستخدمة خبرتها الممتدّة لأكثر من 20 عامًا في الإعلام والصّحافة كجسر بين السّياسة والإعلام لكشف الحقائق الّتي حاول كثيرون طمسها.

في المشهد الإعلامي الفّلسطيني، برزت حنانيا كصوت جريء، يكشف الحقائق ويتصدى لمحاولات التّهميش. بدأت مسيرتها كمراسلة ومقدمة برامج سياسيّة، وتميّزت بتحليلها العميق للأحداث وطرحها الحوارات الجريئة، مما أهلها لنيل جائزة التّميز الإعلامي من جامعة الدّول العربيّة عام 2018.  لكنّها لم تكتفِ بالصّحافة التّقليدية، بل اتجهت إلى صناعة الأفلام الوثائقيّة، مدركةً قوّة الصّورة في تشكيل الوعي، فجاء إنتاجها كتوثيق نضالي يرسّخ الرّواية الفلسطينيّة في وجه محاولات التّشويه.

إلى جانب خبرتها الإعلاميّة، حصلت على درجة الماجستير في الدّراسات العربيّة والدّولية من جامعة القدس عام 2019، مما عزّز رؤيتها السّياسية والدبلوماسيّة. ومن خلال عملها في اللّجنة الرئاسيّة لشؤون الكنائس، عملت على تمثيل القضية الفلسطينيّة في المحافل الدّولية، مؤكدة أنّ الوجود المسيحيّ في فلسطين ليس مجرد إرث تاريخي، بل هو واقع حيّ يجب حمايته من التّهجير والاضطهاد.

كمسيحيّة من بيت لحم، مهد السّيد المسيح، حملت حنانيا هويتها الوطنيّة والدّينية بوعي وإصرار، مجسّدة ذلك في فيلمها الوثائقي الّذي لم يكن مجرد عمل إعلامي، بل صرخة نضاليّة تُعيد الاعتبار لرواية مغيّبة، وشهادة حيّة على صمود الفلسطينييّن المسيحيّين في أرضهم رغم محاولات الطّمس والاقتلاع.

عِبر هذا العمل، لم تكن أميرة حنانيا مجرد مخرجة، بل كانت صوتًا للأصوات المنسيّة، وجسرًا بين معاناة الفلسطينييّن المسيحيّين والوعي العالمي. رسالتها كانت واضحة وقوية: المسيحيّون الفلسطينيّون ليسوا غرباء في وطنهم، بل هم جزء أصيل من فلسطين، وجذورهم تضرب عميقًا في تاريخها المقدّس.

تمّت ترجمة طريق الآلام” إلى ثلاث لغات – الإنجليزيّة، الفرنسيّة، والإسبانيّة – لضمان وصول صوته إلى مختلف أنحاء العالم. تمّ إطلاق الفيلم كعرض أوّل في قصر الأمم بجنيف في 18 شباط 2025، برعاية مجلس الكنائس العالمي، حيث لاقى صدى واسعًا، مسلطًا الضّوء على معاناة المسيحييّن الفلسطينييّن، الّذين طالما هُمِّشت قضيتهم في الخطاب السّياسي العالمي.

إنّ طريق الآلام – رواية فلسطين في عيون مسيحيّيها هو أكثر من مجرد فيلم، إنّه صرخة حقّ، ورسالة مقاومة، ووثيقة تاريخيّة ستظّل شاهدًا على الظّلم الّذي تعرض له الفلسطينيّون بمختلف أطيافهم. عِبر هذا العمل، أثبتت أميرة حنانيا أنّ الإعلام يمكن أن يكون أداة للنّضال، وأنّ الرواية الفلسطينيّةقادرة على الوصول إلى العالم رغم كلّ محاولات التّشويه والتّغيّيب. إنّه نداء لكلّ الضّمائر الحيّة، لإعادة النّظر في فلسطين بعيون الحقيقة، والاعتراف بأنّ قضيّة المسيحيّين الفلسطينيّين ليست مجرد ملف ثانوي، بل جزء لا يتجزأ من القضيّة الفلسطينيّة ككلّ.

No comments:

Post a Comment

Post Top Ad

Your Ad Spot