عمان - موقع الفادي
في عالم يزداد انقسامًا يومًا بعد يوم، تبرز شخصيات تُشعل شموع الأمل في ظلام التحديات، وتُذكّرنا بقوة المحبة والسلام. واحدة من هذه الشخصيات هي الأب سيمون حرّو، الراهب الفرنسيسكاني الذي كرّس حياته لخدمة الآخرين وتعزيز التعايش بين الأديان. من قلب القدس، المدينة التي تجسّد تاريخًا من التنوع والتحديات، ينطلق الأب سيمون ليحكي لنا قصته، ويشرح واقع المسيحيين في فلسطين والمنطقة العربية، ويدعو إلى حوار يعيد بناء الجسور بين البشر.
في هذا الحوار الشيّق، نتعرف على رحلة الأب سيمون الروحية والتعليمية، ونستمع إلى تحليله العميق للتحديات التي تواجه المسيحيين في المنطقة، من الاحتلال إلى الهجرة، ومن الأزمات الاقتصادية إلى التحديات الأمنية. كما نستكشف معه دور الكنيسة والإعلام في تعزيز السلام، ونستلهم من رسالته الإنسانية التي تدعو إلى المحبة والتسامح في عالمٍ يحتاج إلى الوحدة أكثر من أي وقت مضى.
هذه ليست مجرد مقابلة، بل رحلة نتعرف من خلالها على قوة الإيمان، وأهمية التعايش، وضرورة العمل المشترك لبناء مستقبل أفضل. فلنبدأ هذه الرحلة مع الأب سيمون حرّو، الذي يحمل في قلبه رسالة سلام لكل العالم.
السؤال الأول: بداية، نود أن نتعرف أكثر على شخصكم الكريم. من هو الأب سيمون حرّو؟ وكيف كانت رحلتكم في السلك الكنسي حتى وصولكم إلى موقعكم الحالي؟
الأب سيمون حرّو في سطور: من أسرة مقدسية من مواليد عام 1965، من سكان البلدة القديمة في القدس العربية، تخرجت من مدرسة تراسنطا القدس، وبعد أن قررت، بدعوة إلهية، لدخول الرهبنة الفرنسيسكانية ذهبت إلى روما لتعلم اللغة الإيطالية لدراسة الفلسفة واللاهوت وحصلت على اللقب الأول من الجامعة الأنطونية في روما عام 1995، وسمت كاهنا عن يد صاحب الغبطة البطريرك ميشيل صباح، أطال الله في عمره، بعدها حصلت على بكالوريوس في التربية من جامعة بيت لحم عام 1999. ثم تنقلت بأمر الطاعة لأخدم ما بين الرعايا ومدارس تراسنطا في الأراضي المقدسة وسوريا ولبنان والأردن، وفي عام 2022 حصلت على اللقب الثاني في الإدارة التربوية من كلية أونو في حيفا، وحاليا أنهيت الدراسة في اللقب الثالث في الإدارة التربوية من الجامعة العربية الأمريكية في رام الله على أمل إنهاء الأطروحة لرسالة الدكتوراة في تموز القادم لهذا العام 2025.
السؤال الثاني: كيف تصفون واقع المسيحيين في فلسطين والمنطقة العربية اليوم؟ وما هي أبرز التحديات التي تواجههم؟
واقع المسيحيين في فلسطين والمنطقة العربية اليوم:
يعيش المسيحيون في فلسطين والمنطقة العربية في واقع معقد ومليء بالتحديات المتشابكة، حيث تتداخل العوامل السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، والدينية لتؤثر على وجودهم ودورهم في مجتمعاتهم. وعلى الرغم من مساهماتهم العلمية الكبيرة في مختلف المجالات، فإن أعدادهم في تراجع مستمر نتيجة عدة عوامل، منها:
أولاً: الواقع الديموغرافي والتاريخي:
المسيحيون في فلسطين والمنطقة العربية هم جزء أصيل من النسيج الاجتماعي والتاريخي، وقد لعبوا دورًا بارزًا في بناء الحضارة العربية والإسلامية عبر العصور. ومع ذلك، فإن أعدادهم في تناقص مستمر، خاصة في فلسطين والعراق وسوريا ولبنان، وذلك بسبب الهجرة الناتجة عن الظروف السياسية والاقتصادية الصعبة، بالإضافة إلى بعض التحديات الأمنية والاجتماعية.
في فلسطين، تشير التقديرات إلى أن نسبة المسيحيين اليوم لا تتجاوز 1% من إجمالي السكان، بعدما كانوا يشكلون نحو 10% في بداية القرن العشرين. ويتركز وجودهم في القدس، بيت لحم، رام الله، حيفا والناصرة، إضافة إلى بعض المناطق الأخرى مثل غزة، التي تقلص الوجود المسيحي فيها بشكل حاد.
ثانيًا: أبرز التحديات التي تواجه المسيحيين في فلسطين والمنطقة العربية:
1. التحديات السياسية والصراع الفلسطيني- الإسرائيلي:
• الاحتلال الإسرائيلي: يعاني المسيحيون الفلسطينيون، كما يعاني المسلمون، من ممارسات الاحتلال الإسرائيلي، مثل مصادرة الأراضي، القيود على حرية الحركة لزيارة الأماكن المقدسة، رسوم رخص البناء والتي تتراوح بين 800000 – و1200000 شيكل، هذه الرسوم الباهظة من أجل الضغط على السكان للهجرة، أضف إلى ذلك الجدار الفاصل الذي عزل المجتمعات المسيحية في بيت لحم والقدس ورام الله.
• التضييق على الوصول إلى الأماكن المقدسة: يواجه المسيحيون صعوبات جمة في الوصول إلى كنيسة القيامة في القدس بسبب القيود الإسرائيلية والتصاريح، خاصة خلال الأعياد الدينية، مثل عيد أحد الشعانين وعيد سبت النور وعيد الفصح المجيد، هذا التضييق لا يقتصر فقط على المسيحيين المحليين بل يشمل أيضا الحجاج من مختلف بقاع العالم.
• الهجرة بسبب الوضع السياسي: أدى الاحتلال الإسرائيلي، مع الأوضاع الاقتصادية المتردية، إلى هجرة أعداد كبيرة من المسيحيين الفلسطينيين إلى الخارج بحثا عن الأمن والأمان، خصوصًا إلى الولايات المتحدة، إيطاليا، كندا، وأستراليا.
2. التحديات الاقتصادية:
• ضعف الفرص الاقتصادية: تعاني المناطق الفلسطينية عمومًا من تدهور اقتصادي بسبب القيود المفروضة من الاحتلال، ما يؤثر سلبًا على جميع السكان، بما في ذلك المسيحيون الذين يجدون أنفسهم مجبرين على الهجرة بحثًا عن فرص عمل أفضل.
• تأثير جائحة كورونا والحرب على غزة: زادت الجائحة من الضغوط الاقتصادية، حيث تأثرت السياحة الدينية في بيت لحم والقدس، وهي أحد المصادر الرئيسية لدخل العديد من العائلات المسيحية. وما أن انتهينا من جائحة الكورونا حتى جاءت الحرب على غزة لتدمر ما تبقى من السياحة الدينية وفرص العيش بكرامة وحرية. فالوضع الاقتصادي صعب جدا على جميع الأصعدة لغالبية السكان بما فيهم المسيحيين.
3. التحديات الاجتماعية والثقافية:
• التغيرات الديموغرافية: نتيجة الهجرة المستمرة، أصبحت المجتمعات المسيحية في بعض الدول العربية صغيرة، وهذا ما يهدد استمراريتها الثقافية والدينية.
• التعايش الديني: رغم أن المسيحيين والمسلمين عاشوا لقرون طويلة في تعايش مشترك، إلا أن بعض التوترات تظهر في بعض المناطق بسبب الخطاب الديني المتطرف أو التحريض الإعلامي أو انتهاكات لبعض الأفراد بتكسير الصلبان في المقابر، على سبيل المثال عدم الترحم على المسيحيين (نتذكر ما حدث مع الشهيدة شيرين أبو عاقلة والأقوال الصارخة بعدم الترحم عليها لكونها مسيحية) أو المشاركة في مناسباتهم الدينية ومعايدات المسيحيين.
4. التحديات الأمنية في بعض الدول العربية:
• في العراق، تعرض المسيحيون لهجمات من قبل جماعات متطرفة مثل تنظيمات داعش، وجبهة النصرة وغيرهم من هذه الجماعات، مما أدى إلى تهجير أعداد كبيرة من المسيحيين من الموصل وسهل نينوى.
• في سوريا، أدى الصراع المستمر إلى تهجير آلاف المسيحيين، خاصة من مدن مثل حلب والشام وحمص، ضيع بأكملها تم تهجير المسيحيين والاستيلاء على ممتلكاتهم.
• في لبنان، يواجه المسيحيون أزمة اقتصادية وسياسية خانقة تهدد استقرارهم، خاصة بعد انفجار مرفأ بيروت عام 2020.
أمثلة عملية على هذه التحديات:
• مدينة بيت لحم: رغم أنها مدينة مسيحية تاريخيًا، إلا أن نسبة المسيحيين فيها اليوم لا تتجاوز 10% بسبب الهجرة والقيود الاقتصادية.
• القدس الشرقية: يواجه المسيحيون فيها صعوبات كبيرة في الحفاظ على ممتلكاتهم بسبب مصادرة الأراضي والتوسع الاستيطاني الإسرائيلي، أضف إلى ذلك الرسوم الباهظة والضرائب.
• العراق – الموصل: بعد احتلال داعش للمدينة عام 2014، تم تهجير معظم المسيحيين، وصودرت ممتلكاتهم، وأُجبروا على دفع الجزية أو مغادرة المدينة.
• سوريا – حلب: العديد من الكنائس والأديرة تضررت أو دُمرت خلال الحرب التي استمرت لأكثر من 14 سنة، مما دفع أعدادًا كبيرة من المسيحيين إلى الهجرة.
ختامًا: آفاق المستقبل:
رغم هذه التحديات، هناك جهود عديدة للحفاظ على الوجود المسيحي في فلسطين والمنطقة العربية، من خلال دعم المؤسسات المسيحية، تشجيع الاستثمار في المجتمعات المحلية، وتعزيز الحوار بين الأديان. كما تلعب الكنائس المحلية دورًا مهمًا في دعم الأسر المسيحية، من خلال تقديم المساعدات الإنسانية، وتوفير فرص عمل، وتعزيز التعليم. ويبقى الحفاظ على التعددية والتنوع في المنطقة العربية مسؤولية مشتركة، تتطلب دعمًا سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا لضمان استمرار العيش المشترك بحرية وكرامة وتقبل الآخر وسلام.
السؤال الثالث: في ظل الظروف التي تعيشها المنطقة، كيف ترون أهمية التعايش السلمي بين الأديان، وما هي السبل المثلى لتعزيزه على المستويين الاجتماعي والديني؟
أهمية التعايش السلمي بين الأديان وسبل تعزيزه في المنطقة العربية:
أولًا: أهمية التعايش السلمي بين الأديان:
يشكل التعايش السلمي بين الأديان ضرورة ملحة للحفاظ على الاستقرار الاجتماعي، والحدّ من النزاعات الطائفية، وتعزيز قيم المواطنة المشتركة في المجتمعات العربية، حيث يتعايش المسلمون والمسيحيون والديانات الأخرى منذ قرون طويلة. وتتجلى أهمية التعايش في النقاط التالية:
1. الحفاظ على النسيج الاجتماعي: التعددية الدينية والثقافية عنصر أساسي في الهوية التاريخية للمنطقة، ويشكل التعايش ضمانًا لاستمرار هذا التنوع الغني. فنحن كلوحة فسيفساء لا تكتمل صورتها الجميلة إلا بتكامل كل أحجارها.
2. تعزيز الاستقرار والأمن: المجتمعات التي تحترم التنوع الديني تكون أكثر استقرارًا وأقل عرضة للصراعات الدينية والطائفية.
3. تحفيز التنمية الاقتصادية: البيئة المستقرة والمتسامحة تجذب الاستثمارات وتساعد في خلق فرص عمل لجميع فئات المجتمع، بغض النظر عن انتمائهم الديني، لأنه من الضروري وضع الرجل المناسب في المكان المناسب.
4. تعزيز القيم الإنسانية المشتركة: مثل العدل، المحبة، الرحمة، والتعاون، والتي تشترك فيها جميع الأديان السماوية.
ثانيًا: السبل المثلى لتعزيز التعايش السلمي بين الأديان:
1. على المستوى الاجتماعي:
• نشر ثقافة المواطنة المشتركة:
1. تعزيز الهوية الوطنية التي تركز على الانتماء للوطن وليس الانتماء الديني أو الطائفي أو الحزبي.
2. دعم القوانين التي تكفل المساواة بين جميع المواطنين بغض النظر عن دياناتهم.
• التعليم كأداة رئيسية للتسامح:
1. تطوير المناهج الدراسية بحيث تعزز قيم التعددية الدينية، وتسلط الضوء على المساهمات التاريخية لمختلف الطوائف في بناء الحضارة العربية. للأسف هناك تغيب للثقافة المسيحية في المناهج الفلسطينية.
2. إدراج قصص نجاح عن التعاون بين أتباع الأديان المختلفة في التاريخ العربي والإسلامي.
• الإعلام ودوره في تعزيز التسامح:
1. الابتعاد عن الخطاب التحريضي والطائفي في وسائل الإعلام، وتشجيع البرامج التي تعزز التفاهم بين الأديان وبث روح الأخوة والتسامح الديني بين أبناء الشعب الواحد.
2. عرض أفلام ووثائقيات تسلط الضوء على التعاون المشترك بين المسيحيين والمسلمين عبر التاريخ.
• المبادرات المجتمعية والحوار بين الأديان:
1. تنظيم لقاءات دورية بين رجال الدين المسلمين والمسيحيين لتعزيز العلاقات الطيبة وتوضيح النقاط المشتركة بين الأديان.
2. دعم المبادرات الشبابية التي تعزز العمل المشترك بين أتباع الديانات المختلفة، مثل المشاريع البيئية والخيرية.
2. على المستوى الديني:
• تعزيز الحوار بين رجال الدين:
1. عقد مؤتمرات ومنتديات دورية تجمع رجال الدين من مختلف الأديان لبحث سبل تعزيز التعايش السلمي.
2. إصدار بيانات مشتركة تدين أي شكل من أشكال العنف الطائفي.
• الخطاب الديني المعتدل:
1. التأكيد في خطب الجمعة والعظات الكنسية على قيم المحبة والسلام والتعاون بين الأديان.
2. توضيح المفاهيم الدينية الصحيحة التي تدعو إلى التسامح، مثل "لكم دينكم ولي ديني" في الإسلام، و"أحبوا بعضكم بعضًا" في المسيحية.
• العمل الخيري المشترك:
1. تنفيذ مشاريع خيرية تخدم جميع أفراد المجتمع دون تمييز ديني، مثل المستشفيات والمدارس التي تديرها الكنائس الإسلامية والمسيحية معًا.
2. إقامة موائد الإفطار الجماعية خلال شهر رمضان، والتي يشارك فيها المسيحيون مع المسلمين، وهذا قائم فعلا على أرض الواقع. ولكن من المفروض أيضا إدخال الإفطار الجماعي في أعياد المسيحيين.
ثالثًا: أمثلة واقعية لتعزيز التعايش السلمي:
• مدينة بيت لحم – فلسطين: تعدّ بيت لحم نموذجًا للتعايش السلمي، حيث يشارك المسلمون والمسيحيون في الاحتفال بعيد الميلاد، وتتم دعوة القيادات الإسلامية إلى الاحتفالات المسيحية والعكس صحيح. كما أن العديد من المشاريع الاقتصادية والسياحية في المدينة قائمة على تعاون بين الطرفين.
• مدينة أريحا – فلسطين: تعدّ أريحا من المدن الفلسطينية التي تشتهر بالترابط الأخوي بين المسيحيين والمسلمين، فترى الكاهن بجانب الشيخ في السراء والضراء على جميع الأصعدة، حتى أنه يقال للشيخ بأبونا، ولأبونا بالشيخ.
• الأردن – مبادرة "كلمة سواء": أطلق علماء دين مسيحيون ومسلمون في الأردن مبادرة "كلمة سواء" لتعزيز الحوار الديني المشترك، وتوضيح نقاط الاتفاق بين الإسلام والمسيحية حول القيم الإنسانية المشتركة.
• مصر – بيت العائلة المصرية: هو كيان مشترك بين الأزهر الشريف والكنيسة القبطية الأرثوذكسية، يهدف إلى حل النزاعات الطائفية وتعزيز التعايش المشترك، ويعمل على تطوير الخطاب الديني المعتدل.
• لبنان – المدارس والجامعات المختلطة: تعتمد العديد من المؤسسات التعليمية في لبنان نموذجًا مختلطًا يجمع بين المسيحيين والمسلمين، ما يخلق بيئة تواصل وتفاهم منذ الصغر، ويساعد في تقليل النزعات الطائفية في المستقبل.
• العراق – إعادة بناء الكنائس والمساجد المدمرة: بعد تحرير الموصل من داعش، عملت جهات حكومية ومنظمات دولية على إعادة بناء المساجد والكنائس جنبًا إلى جنب، مما أرسل رسالة واضحة حول أهمية التعايش والتعاون بين المسلمين والمسيحيين.
خاتمة:
التعايش السلمي بين الأديان ليس مجرد ضرورة للحفاظ على التنوع الثقافي في المنطقة العربية، بل هو ركيزة أساسية لتحقيق التنمية والاستقرار. ويتطلب تحقيقه جهودًا مستمرة على مختلف المستويات، بدءًا من التربية والتعليم، مرورًا بالإعلام والخطاب الديني، وصولًا إلى المبادرات الاجتماعية والمشاريع المشتركة. ومن خلال هذه الجهود، يمكن للمنطقة أن تحافظ على نسيجها الاجتماعي الفريد، وتقدم نموذجًا عالميًا في التسامح والتعايش.
السؤال الرابع: ماهو دور الكنيسة ورجال الدين في نشر ثقافة السلام والمحبة بين الشعوب، خاصة في ظل الأوضاع الصعبة التي تعيشها بعض دول المنطقة؟
دور الكنيسة ورجال الدين في نشر ثقافة السلام والمحبة بين الشعوب:
تلعب الكنيسة ورجال الدين دورًا محوريًا على مر العصور في نشر ثقافة السلام والمحبة بين الشعوب، خاصة في ظل الأوضاع الصعبة التي تمر بها بعض دول المنطقة، حيث يواجه الناس صراعات سياسية، طائفية، واقتصادية تؤثر على استقرار المجتمعات. ومن خلال تعاليمها الروحية والإنسانية، تسهم الكنيسة في تعزيز العيش المشترك، ودعم حقوق الإنسان، ومساعدة الفئات المتضررة.
أولًا: دور الكنيسة في تعزيز ثقافة السلام:
1. التعليم والتوعية:
• تقدم الكنيسة عبر مدارسها وجامعاتها تعاليم قائمة على التسامح والاحترام المتبادل، ما يساعد في بناء أجيال تؤمن بقيم العيش المشترك.
• تدعو إلى نبذ العنف والطائفية من خلال نشر الفكر الديني المعتدل الذي يحث على التفاهم بين الأديان المختلفة.
2. الوساطة وحل النزاعات:
• في الأوقات الصعبة، تلعب الكنيسة دور الوسيط بين الأطراف المتنازعة، كما حدث في عدة دول مثل لبنان والعراق، حيث عمل رجال الدين المسيحيون مع نظرائهم المسلمين على تخفيف حدة الصراعات الداخلية.
• تساهم الكنيسة في المصالحة بين الجماعات المختلفة، سواء كانت دينية أو سياسية، من خلال لقاءات وحوارات تجمع الفرقاء على طاولة واحدة.
3. الدعم الاجتماعي والإغاثي:
• تعمل الكنيسة على تقديم المساعدات الإنسانية، مثل توفير الغذاء والمأوى للنازحين والمتضررين من الحروب، بغض النظر عن دينهم أو انتمائهم السياسي.
• تدير المستشفيات والمراكز الصحية التي تقدم خدماتها للجميع دون تمييز، ما يعزز قيم المحبة والخدمة الإنسانية.
4. تعزيز قيم العدالة وحقوق الإنسان:
• تدافع الكنيسة عن حقوق الإنسان، خاصة حقوق الأقليات والمضطهدين، وتطالب بالحفاظ على كرامة الإنسان واحترام حريته الدينية.
• تشجع على سيادة القانون والمواطنة المتساوية، حيث يكون الجميع متساوين في الحقوق والواجبات دون النظر إلى خلفياتهم الدينية.
ثانيًا: دور رجال الدين في نشر ثقافة السلام والمحبة:
1. الخطاب الديني المعتدل:
• يستخدم رجال الدين منابرهم لنشر قيم التسامح والتعايش، والابتعاد عن أي خطاب تحريضي قد يؤدي إلى الفتنة والانقسام.
• يدعون إلى الحوار بين الأديان كوسيلة لفهم الآخر والتعاون معه لتحقيق السلام.
2. العمل المشترك بين الأديان:
• يشارك رجال الدين المسيحيون في مبادرات حوارية مع رجال الدين المسلمين وغيرهم، كما هو الحال في "بيت العائلة المصرية" الذي يجمع الأزهر الشريف والكنيسة القبطية لتعزيز الوحدة الوطنية.
• يسهمون في مشاريع مشتركة تعزز التضامن الاجتماعي، مثل برامج الإغاثة، وإعادة بناء المناطق المدمرة جراء النزاعات.
3. تقديم نموذج القدوة الحسنة:
• يمثل رجال الدين نموذجًا في التعامل بروح المحبة والانفتاح، حيث يسعون إلى مد جسور التواصل مع مختلف مكونات المجتمع.
• يعملون على احتواء أي خلافات قد تنشأ بين الأفراد، ويوجهون الناس نحو الحلول السلمية بدلاً من العنف.
أمثلة عملية لدور الكنيسة ورجال الدين في نشر السلام والمحبة:
1. العراق – إعادة بناء نينوى بعد داعش: بعد تحرير الموصل وسهل نينوى من سيطرة تنظيم داعش، تعاونت الكنائس المحلية مع منظمات إسلامية ودولية لإعادة بناء البيوت ودور العبادة المدمرة، مما ساعد في إعادة اللاجئين إلى مناطقهم الأصلية وتعزيز التعايش بين المسلمين والمسيحيين.
2. لبنان – مبادرات الحوار الوطني: في ظل الأزمات السياسية والاقتصادية التي يشهدها لبنان، يعمل رجال الدين المسيحيون والمسلمون على تعزيز الوحدة الوطنية من خلال مبادرات مثل "لجنة الحوار الإسلامي-المسيحي"، التي تهدف إلى تقليل الفجوة بين الطوائف وتعزيز الانسجام الاجتماعي.
3. الأردن – مبادرة رسالة عمان: ساهم رجال الدين المسيحيون في دعم مبادرة "رسالة عمان"، التي أطلقها الملك عبد الله الثاني، لتعزيز صورة الإسلام المعتدل، ومكافحة التطرف، وتعزيز قيم التفاهم والتسامح بين مختلف الديانات.
4. فلسطين – التفاعل بين الأديان في بيت لحم والقدس: تلعب الكنيسة دورًا هامًا في دعم الحوار والتعايش بين المسلمين والمسيحيين في فلسطين، حيث يتم الاحتفال بالأعياد المسيحية والإسلامية بمشاركة متبادلة، كما تعمل الكنائس على دعم المشاريع التنموية التي تخدم جميع السكان.
الخاتمة:
يبقى دور الكنيسة ورجال الدين أساسيًا في نشر ثقافة السلام والمحبة بين الشعوب، خاصة في المناطق التي تعاني من النزاعات والتوترات الطائفية. ومن خلال التعليم، الوساطة، العمل الخيري، والخطاب الديني المعتدل، يمكنهم أن يسهموا في بناء مجتمعات أكثر تماسكًا وسلامًا، حيث يسود العدل والتسامح، ويعيش الجميع بكرامة وسلام.
السؤال الخامس: برأيكم، كيف يمكن للإعلام أن يسهم في تعزيز الحوار بين الأديان والتفاهم المشترك. وما هي رسالتكم للعالم من خلال هذا اللقاء؟
دور الإعلام في تعزيز الحوار بين الأديان والتفاهم المشترك:
يلعب الإعلام دورًا محوريًا في تشكيل وعي المجتمعات وتعزيز ثقافة الحوار والتسامح الديني. وفي ظل التحديات التي تواجه المجتمعات المتعددة الأديان، يصبح الإعلام أداة قوية وفعالة لنشر القيم الإنسانية وتعزيز التفاهم بين أتباع الديانات المختلفة.
1. نشر ثقافة الحوار والتسامح:
• تسليط الضوء على المبادرات المشتركة بين الأديان التي تعزز قيم المحبة والتعاون.
• استضافة رجال دين ومفكرين من مختلف الأديان للنقاش حول القضايا التي تهم الإنسانية جمعاء، مثل السلام، العدالة، وحقوق الإنسان.
2. تصحيح الصور النمطية ومحاربة التعصب:
• من أهم صفات الإعلام ألا يكون منحازا لفئة دون الأخرى، لهذا يجب تجنب الخطاب الإعلامي الذي يعزز الانقسام والتفرقة، والتركيز على الرسائل التي تدعو إلى الوحدة والعيش المشترك.
• إبراز التجارب الناجحة في التعايش بين الأديان، وإظهار النماذج الإيجابية من التعاون الإسلامي- المسيحي عبر التاريخ.
3. إنتاج محتوى إعلامي هادف:
• صناعة أفلام وثائقية وبرامج حوارية تتناول القيم المشتركة بين الأديان.
• إنتاج محتوى تعليمي للأطفال والشباب يعزز مفهوم احترام التنوع الديني والثقافي.
4. استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لتعزيز الحوار:
• إنشاء منصات حوارية على وسائل التواصل الاجتماعي تتيح للمجتمعات المختلفة مناقشة قضاياهم بطرق بناءة.
• بما أننا في العصر الإلكتروني، يجب دعم حملات إلكترونية تروج لقيم التسامح الديني ونبذ الكراهية والعنف.
رسالتي للعالم كرجل دين مسيحي وراهب فرنسيسكاني:
في ظل الأوضاع الصعبة التي يشهدها عالمنا اليوم، أوجه رسالتي للجميع، مؤكدًا على القيم الأساسية التي دعا إليها القديس فرنسيس الأسيزي، وهي:
• السلام: العالم اليوم بحاجة إلى تعزيز ثقافة السلام والتفاهم، وليس الصراع والانقسام.
• المحبة: الله محبة وهذا ما نؤمن به، لهذا يجب علينا أن نحب بعضنا البعض دون تمييز، فكل إنسان هو أخ لنا في الإنسانية.
• الحوار: الطريق الوحيد لحل الخلافات هو الحوار المبني على الاحترام المتبادل، وليس العنف أو الإقصاء.
• العمل المشترك: نحن مدعوون كرجال دين وكأفراد في المجتمع لنكون جسورًا للسلام تجمع بين الأديان، ونعمل معًا من أجل الخير العام ونشر بذور الأمل لغدٍ أفضل.
رسالتي هي أن نؤمن جميعًا،أننا مدعوون لنعيش في وئام، وأن نجعل من حياتنا شهادة حية للمحبة والرحمة وتقبل الآخر والتفاهم بين جميع الشعوب.
كل الشكر والتقدير لشبكة أوركيد فلسطين على هذا اللقاء الصحفي لإبراز الصورة الحقيقية للنسيج الفلسطيني من المسيحيين والمسلمين كإخوة يعيشون بروح العيش المشترك والمحبة والتسامح الديني.
عن "اوركيد"
No comments:
Post a Comment