موقع الفادي
أَعَدَّهَا الأب فارس سرياني :
﴿والْكَلِمَةُ صَارَ بَشَرًا، فَسَكَنَ بَينَنَا﴾ (يوحنّا 14:1). اللهُ في العَهدِ القَديم، أَمرَ مُوسَى بِبِنَاءِ خَيمَةٍ، فِيهَا يُعبَدُ ويَكونُ حَاضِرًا وَسَطَ شَعبِه! أَمَّا مَعْ يَسوعَ الْمَسيح، فاللهُ يُريدُ أن يُقيمَ فينَا نَحن. ولَكِنَّ خَيمَتَنَا البَشَريّة ضَعيفَةٌ وشَاحِبَة؛ فَنَحنُ مُعَرَّضُونَ دَومًا لِلألَمِ والعَذَابِ والْمَشَقَّة! والعَالَمُ بأَسرِهِ مُمَزَّقٌ مِنْ كَثرَةِ الظُّلمِ والْمَآَسِي! في ضُعفِنَا البَشَريّ، وضِمنَ عَالَمِنَا الْمُشَوَّه، أَتَى يَسوعُ ووُلِدَ، لِيَبنيَ لَهُ مَسِكِنًا.
وَصَفَ القدّيسُ أَنْسِلمُوس، هَذهِ الحَالَةَ الْمُزرِيَةَ، قَائِلًا: "كُلُّ شَيءٍ بَدَا وكَأَنَّهُ قَدْ مَات، وَقَدْ فَقَدَ كَرامَتَهُ. كَانَتْ كُلُّ عَناصِرِ العَالمِ حَزينَةً، لأنَّهَا فَقَدَتْ بهاءَهَا". وهَكَذَا، يُمَثِّلُ الاسطَبلُ الَّذي وُلِدَ فيهِ يَسوع، الأرضَ الَّتي أَتَى يَسوعُ لِكَي يُصلِحَ حَالَها. فَالْمَسيحُ جَاءَ لِيَمنَحَ الخَليقَةَ والكَونَ، الجَمالَ والبَهاءَ والكَرامَةَ مِنْ جَديد.
هَذَا مَا تَمَّ في مِيلادِ كَلِمَةِ الله، وهَذَا هُوَ الفَرَحُ الّذي أَذَاعَتهُ الْمَلائِكةُ في تِلكَ الّليلَةِ البَهِيَّةِ الكَريمَة. فَفِي مِيلادِ الرَّبِّ يَسوعَ الْمَسيح، تَعُودُ الأرضُ إلى حَالَتِهَا الإيجابِيَّة، مِنْ خِلالِ افْتِتَاحِ زَمَنِ النِّعمَةِ والحَقِّ، الَّلذينِ جَاءَا عَنْ يَدِ يَسوعَ الْمَسيح (راجع يو 16:1-17). فالأرضُ الّتي كَانَت مُعْتِمَةً بالخَطيئة، تَنَالُ مَع مِيلادِ الْمَسيحِ نُورًا حَقًّا وضِيَاءً عَجيب. وبالاتِّحادِ بَينَ الإرادَةِ الإلهيّةِ والإرادَةِ الإنْسَانِيّة، الّذي تَمَّ في الْمَسيحِ الإلهِ والإنسَان، تحُوزُ الخَليقَةُ مِنْ جَديدٍ بَهَاءَهَا وكَرَامَتَهَا. وهَكَذَا، يُصبِحُ الْمِيلادُ عِيدَ الخَليقَةِ الجَديدةِ، الْمُعتَقَةِ مِنَ الخَطيئةِ والفَسَاد.
نَشيدُ الْمَلائِكَةِ في الّليلةِ الْمُقدّسَة، هوَ تَعبيرٌ عَنِ الفَرحِ الْمُقَدّس، لأنَّ السَّمَاءَ والأرضَ تَتَّحِدَانِ مِنْ جَديد؛ ولأنَّ الإنسَانَ يَتَّحِدُ باللهِ مِنْ جَديد. وَهَذا مَا عَبَّرَ عَنُهُ الجَالِسُ عَلَى العَرش، لِرسولِهِ يُوحَنَّا، يَقول: ﴿هَاءَنَذا أَجعَلُ كُلَّ شَيءٍ جَديدًا﴾ (رؤيا 5:21). فَهَذَا التَّجديدُ الَّذي سَيَبلُغُ مُنتَهَاهُ عِندَ مَجيءِ الرّبِّ الثَّاني في الْمَجد، قَدْ بَدَأَ عِندَ مَجيئِهِ الأوَّل، طِفلًا مَولُودًا في بيتَ لَحم.
مِيلادُ الْمَسيحِ سَمَحَ لِلرُّعاةِ أَنْ يَسمَعوا نَشيدَ الْمَلائِكَةِ العَذب. نَشيدُ الْمَلائِكَةِ هو فِعلُ حَمدٍ وتَسبِيح، ودعوةٌ لِأنْ نَفرَحَ باللهِ الْمخلِّص. فَفِي اِسطَبلِ بَيتَ لحم، تُعَانِقُ السَّمَاءُ الأرضَ، فَرَبُّ السَّمَاءِ نَزَلَ إلى الأرضِ الّتي خَلَقَها. وِمنْ ذَلِكِ الْمَكانِ الْمُتَواضِع، تَدَفَّقَ النُّورُ الأزليُّ لِكُلِّ البَشَر. فَإذَا مَا أَردنا لِقَاءَ الْمَسيحِ الآتي، عَلَينَا أَنْ نَتَحَلَّى بِتَواضُعِ مَغارَةِ الْمِيلاد، وتَواضُعِ الطِّفلِّ الْمُولودِ فِيهَا، إذْ لا مَكانَ فِيهَا لِلْمُتَكبِّرين.
عن ابونا
No comments:
Post a Comment