موقع الفادي
الأب فارس سرياني :
﴿وُلِدَ لَنَا وَلَدٌ، أُعْطِيَ لَنَا ابنٌ﴾ (أش 5:9). مَا يَقولُهُ النّبيُّ أَشعيا لِشعبِ إسرائيل، رَائِيًا مِنَ البَعيدِ إلى الْمُستَقبَل، كَتَعزيَةٍ في خِضَمِّ مَآَسيِه، يُعلِنُهُ الْمَلاكُ الْمُشِعُّ نُورًا لِلرُّعَاةِ، كَوَاقِعٍ قَدْ تَمّ: ﴿اليومَ، في مَدينَةِ دَاود، وُلِدَ لَكُمْ مخلِّصٌ، وَهُوَ الْمَسيحُ الرّب﴾ (لوقا 11:2). مِنْ هَذهِ الَّلحظة، اللهُ عُمّانوئيلُ هوَ بالواقِعِ مَعَنَا. لمْ يَعُدْ ذاكَ الإلهَ البَعيد، بَلْ صارَ الإلهَ القَريب، الَّذي كَشَفَ لَنَا ذَاتَه، وحَلَّ بَينَنَا، ودَخَلَ عَالَمَنَا بِسِرِّ مِيلادِهِ الْمَجيد.
لَقَدْ وُلِدَ لَكُمُ الْمُخَلِّص: مَا أَعلَنَهُ الْمَلاكُ لِلرُّعَاة لَيلَةَ الْميلاد، يُذكّرُنَا بِهِ اللهُ الآنَ بِواسِطَةِ الإنجيلِ ومُرسَلِيِه. وهَذِهِ بُشرَى لَنَا نَحنُ أيضًا، عَلَى مِثالِ الرُّعَاة. وأَمَامَهَا لا يمكنُ أَنْ نَكونَ مُحَايِدين، لِأنَّهَا بُشرَى خَلاصِي أَنَا أَيضًا. وعَليِه، مِثلَ الرُّعَاة، يجبُ أَنْ أَقومَ لأَذهَبَ إلى بَيتَ لحم، وأُعَاينَ كَلِمَةَ الخلاصِ الّذي صَارَ بَشَرًا.
﴿وُلِدَ لَنَا وَلَدٌ، أُعطيَ لَنَا ابن. فَصَارت الرّئاسَةُ عَلَى كَتِفِه﴾ (أش 5:9). عَلَى كَتِفِ هَذا الطِّفلِ الْمَولودِ يَقومُ الْمُستَقبَل. وعَلَى عَاتِقِهِ يُبنَى السَّلامُ. في شَخصِ طَفلِ بَيتَ لَحم، تَمَّتْ هَذهِ الكلِماتُ النَّبَويّة. فَهَذا الطّفلُ هُوَ صَاحِبُ كُلِّ سُلْطانٍ وقُدْرَة. وفيهِ يَتَحَقَّقُ مُلْكُ العَدلِ والسَّلامِ والرّحمَة. هُوَ كَلمَةُ اللهِ الأزليّ، الَّذي يجمَعُ في ذاتِهِ، البَشَريّةَ بالألوهِيَّة! فَهُوَ الإلهُ الحَقّ والإنسانُ الحَقّ. وإنْ بَدَا للعالمِ طِفلًا ضَعيفًا عَاجِزًا، إلّا أَنّهُ اللهُ كُلِيُّ القُدرَةِ والحكمَة، الّذي يُخزِي كُلَّ طَاغِيَةٍ مُتَكبِّرٍ جَبَّار. هَذَا الطِّفلُ هوَ إلهٌ مِنْ إله، نورٌ مِنْ نُور. أَزالَ الحَواجِزَ الفَاصِلةَ بينَ اللهِ والإنسان، وحَقَّقَ الْمُصَالَحةَ بِذَاتِه، لَمَّا تَوَاضَعُ ونَزلَ إلينَا، وأَضحَى وَاحِدًا مِنَّا، لِكَي يجذبَنَا إليهِ أَجْمَعين.
هَذَا الطّفلُ هوَ حَقًّا عِمّانوئيل، اللهُ مَعنَا. مَلَكوتُهُ أَزَليٌّ شَامِلٌ بِلا حُدُود. هَذَا الطِّفلُ قَدْ أَشعَلَ في البَشَرِ نُورَ الصَّلاحِ، وأَضاءَ فيهم شُعلَةَ الرَّجَاء، لِيَكُونوا نُورًا يكتَسِحُ الظُّلمَة، وأَعَطاهُم قُوّةً لِيُقاوِمُوا سُلطَانَ الشّرِّ، ويَكسِرُوا شَوكَةَ الظُّلم. وفي قَلبِ كُلٍّ مِنَّا يَسْكُبُ سَلامَهُ، ويَبني لَهُ مَلَكوتَ عَدلٍ وحَقٍّ وسَلام، حَتّى نَكونَ نَحنُ وَسطَ هَذَا العَالم، شُهودًا لِإلهِ العَدلِ والحقِّ والسَّلام، وبُنَاةً لِمَلكوتِهِ الْمَجيد.
عن "ابونا"
No comments:
Post a Comment