بقلم: الاب جمال خضر
لمدة أربع سنوات، كان رئيس الأساقفة بييرباتستا بيتسابالا مدبرًا رسوليًا للبطريركية اللاتينية، التي كان منصب البطريرك فيها شاغرًا. وكمدبر رسولي، ترأس كنيسة القدس وكانت له، بطبيعة المنصب، مهام محددة. ومنذ أسابيع، أصبح المدبر الرسولي بطريركًا للقدس للاتين. فما الذي تغيّر؟ وكيف يرى البطريرك الجديد مهامه الجديدة.
لاهوت الفصح (الموت والقيامة)
في عظته الأولى في كنيسة القيامة، ومن خلال أغلب، إن لم يكن كل تأملاته، نرى التركيز على لاهوت الفصح، موت المسيح وقيامته، والتي في ضوئها يقرأ نصوص الإنجيل وواقع الكنيسة أراد أن يبدأ رسالته في كنيسة القيامة، متأملاً في "الظلمة، الحجر الكبير على باب القبر، الاكفان – وأيضًا في نور القيامة، الحجر الذي أزيل عن باب القبر، والأكفان التي لا تلف أحدًا".
ومن ثم قراءة واقع بلادنا وكنيستنا على ضوء كلمة الله. نعم، "نحن كنيسة الجلجلة، ومن جنب المسيح المطعون ولدت الكنيسة، كنيسة المحبة التي لا تنام. نحن كنيسة العلية التي يتخطى المسيح أبوابها المغلقة ويمنح الروح والسلام". هذا هو حجر الأساس في قراءة واقع كنيستنا، التي تعاني كثيرًا وليس فقط بسبب قلة العدد، ولكنها كنيسة القيامة، الكنيسة التي لا تستلم لعناصر الموت والام، بل تسير الى الامام بثقة ورجاء.
قلة العدد وعظم الرسالة
يعي البطريرك قلة العدد التي يجب الا تخيفنا، فهي جزء من هويتنا. وهو يدعو مؤمني هذه الكنيسة لان يكونوا مبادرين سبّاقين للقاء الاخر، المسلم واليهودي والدرزي. ولاننا الكنيسة الام، فيجب ان تكون كنيسة تحمل ثمارا لنجد في انفسنا انطلاقا وحماسا وقوة بناء في جماعة متضامنة.
ايماننا بالقيامة يجعلنا نعلن ان لا شيء يبقينا منغلقين على انفسنا مع مخاوفنا وآلامنا، فتعيش الحاضر بهدوء وبدون خوف. فاذا كانت قلة اعدادنا قد تعرضنا الى خطر النظر الى انفسنا على اننا "أقلية" تنغلق على نفسها، وتسعى الى البقاء، فان رسالتنا كمؤمنين تجعلنا نتخطى حاجز الخوف، وننطلق في حمل رسالتنا، كما فعلنا على مدى القرون الماضية. الخوف يكبل الانسان ويحد من طاقاته، اما الايمان والرسالة فتفتح افاق جديدة امام المؤمن.
كنيسة مكونة من كل أعضائها
"كل شخص ضروري" في كنيسة القدس، الكاهن والعلماني والراهب والراهبة، نسند بعضنا بعضًا، كل في موقعه ومهمته وخدمته وهويته الخاصة، لكن جميعنا معًا.
ويتحدث في عظة رأس السنة عن أهمية ألا تكون كنيستنا كنيسة إكليروس، بل كنيسة يشارك فيها العلماني في الرسالة، من خلال المؤسسات المختلفة مثل المجلس الرعوي والعودة الى المخطط الرعوي ثمرة السينودس الابرشي ومشاركة الجميع. هذه دعوة الى تخطي الروح "الإكليريكية" في الكنيسة. فكلنا كنيسة وكل عضو في الكنيسة ضروري لتقوم الكنيسة برسالتها، كل في موقعه وحسب مسؤوليته.
الوضع السياسي
للكنيسة دور في رسم درب العدل والسلام، كما ان للقادة السياسيين دورا في تحقيق السلام والازدهار لمواطنيهم. لا يقوم البطريرك بتحليل سياسي، لكنه واضح في توجهاته، خاصة عندما يقارن الشعب الفلسطيني بمريم ويوسف، الذي "يبدو وكأنه لا مكان لهم في هذا العالم... يطلب منهم ان ينتظروا مستقبلا مجهولا ومؤجلا باستمرار"، يعانون من الرفض والاقصاء.
ولكن بدل ان يصف لنا الظلام الذي نعاني منه، يردد صدى الانجيل، فالليل ليس الكلمة الأخيرة في تاريخنا ولا في تاريخ الإنسانية، فالذي هو "نور من نور" قد ولد في الليل، ليصبح ليل ميلاد جديد، ليعلم طرقا جديدة في العدل والسلام والامل والحياة. فالحياة التي ولدت في بيت لحم هزمت الموت.
رسالة تشجيع ورجاء في مستقبل افضل، وفي دورنا لبناء الملكوت في ارضنا.
المحبة هي محور رئيس في تأملات البطريرك، "فالحب هو الطريق الوحيد الحقيقي للخلاص"، "ولا يمكن ان نعيش دون المحبة التي تبدأ من ذاك الذي احبنا لمنحنا الحياة والخلاص". ونتيجة للتأمل في كلمة الله، فالرجاء هو النظر الى المستقبل بثقة، لننطلق للعمل مع المسيح من أجل الملكوت.
ما نجده في تأملات وعظات غبطة البطريرك هو خطوط عامة وواضحة تدل على فهم للواقع، وعلى وعي بمسؤوليته الجديدة كبطريرك، وليس فقط كمدبر رسولي. إذا كنا ننتظر مخططًا رعويًا مفصلاً، فإن هذا المخطط لا يتم من خلال شخص واحد، حتى وإن كان البطريرك نفسه، لكنه ثمرة تشاور ومشاركة كافة الغيورين على مصلحة الكنيسة. بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، يدعونا البطريرك لأن نكون شركاء في صنع مستقبل كنيستنا.
No comments:
Post a Comment