قام غبطة البطريرك بييرباتيستا بيتسابالا، بطريرك القدس للاتين، بعد ظهر اليوم الجمعة الموافق 4 كانون الأوّل 2020، بالدخول الرسميّ إلى كاتدرائية القبر المقدس (كنيسة القيامة)، وجلوسه الرسميّ على كرسي القديس يعقوب البطريركي.
وقرأ القاصد الرسولي في القدس المطران ليوبولدو جيريلي، وباللغة اللاتينية، البراءة الرسوليّة المؤرخة في 24 تشرين الأوّل 2020، وفيها يعيّن قداسة البابا فرنسيس بيتسابالا بطريركًا جديدًا للاتين في المدينة المقدسة، تبعها ترجمة عربيّة للمرسوم ألقاها أمين عام البطريركيّة اللاتينية الأب إبراهيم شوملي.
وجاء في البراءة الرسوليّة: "من الأسقف فرنسيس، خادم خدّام الله، إلى الأخ المكرم بييرباتيستا بيتسابالا، من الأخوة الأصاغر، حامل لقب رئيس أساقفة فيربيابوس، والمدبّر الرسولي لكرسي بطريركيّة القدس للاتين الشاغر، والمعيّن بطريركًا لهذا الكرسي، سلام وبركة رسوليّة. تبع الشعب يسوع الداخل إلى القدس وهو يهتف: ’هوشعنا مبارك الآتي باسم الرب‘. ونحن فيما نتأمل بكلمات الإنجيل هذه، وفيما نقود كنيسة الرب الكاثوليكيّة، ونهتمّ بالخير الروحي لشعب هذه المدينة، الذي يؤمن ويتبع يسوع المسيح الرب، فكّرنا بإعطائه راعيًا مناسبًا.
أضافت: "لذلك وبعد مرور أكثر من 4 سنوات على استقالة البطريرك فؤاد الطوال من إدارة الكرسي البطريركي، وبعد أن قُمت أنت، أيها الأخ المكرّم، بالعناية بهذه الجماعة، كمدبّرٍ رسوليّ للكرسي البطريركي الشاغر، وبما أنك قُمت بهذا العمل بشكلٍ سليم، وأظهرت الصفات والفضائل اللازمة، تأكّدنا أنه بإمكانك مع خبرتك في إدارة الأمور، أن تستلم المهمّة البطريركيّة لهذه الجماعة العزيزة. لهذا وبعد الاستئناس برأي مجمع الكنائس الشرقيّة نُقيمك بسلطتنا الرسوليّة بطريركًا على كنيسة القدس للاتين، مع الحقوق والامتيازات الواردة في كتاب الحق القانونيّ مع الاحتفاظ بهذا اللقب وانتهاء المهمة السابقة".
وخلصت البراءة الرسوليّة إلى القول: "إعمل على أن يطلع الإكليروس والشعب التابع لهذه البطريركيّة على كتابنا هذا، ونحن بدورنا نشجعه على إبداء التقدير تجاهك مع الطاعة والتعاون والمحبّة. ونشجّعك أيها الأخ المكرم، اقتداءً بيسوع المسيح، وبشفاعة والدة الإله القديسة مريم البتول، والأساقفة القديسين الذين تبعوا منذ البدء المسيح الراعي الصالح بأمانة، أن تخدم القطيع الموكول إليك، بعملٍ دؤوب، واضعًا أمام عينيك كلام الرسول: ’اقبلوا بوداعة الكلمة المغروسة فيكم القادرة أن تخلّص نفوسكم".
كما ألقى النائب البطريركي للاتين في القدس وفلسطين، المطران بولس ماركوتسو، كلمة رحّب فيها باسم عائلة البطريركيّة اللاتينية، بالبطريرك بييرباتيستا بيتسابالا راعيًا جديدًا في الأبرشيّة البطريركيّة اللاتينية الممتدة في الأردن وفلسطين وإسرائيل وقبرص.
الخطاب الأوّل للبطريرك
وألقى البطريرك بيتسابالا خطابه الرسميّ الأول، مستهله بالتحية الفصحية: "المسيح قام حقًّا قام".
وقال: "إنه تقليد، في أرضنا هذه، أن نلتقي في هذا المكان المقدس، في بداية كل حدث كنسي جديد، للاحتفال بعيد الفصح، مهما كان الزمن في السنة الليتورجية. لا توجد بداية، في الواقع، ولا مبادرة كنسية، ولا مشروع متماسك، خارج نور الفصح. "أن نحتفل بالفصح" يعني أن نبذل حياتنا لأننا نحب. وهذا صحيح خاصة في كنيسة القدس، لأنها مدعوة إلى أن تعيش وتحمل رسالتها في نور القيامة. نقرأ في هذه الأيام في سفر الرؤيا، أن المدينة لا تحتاج إلى نور الشمس، لأن "سِرَاجَها هُوَ الحَمَل" (رؤ 23: 21). لذلك أريد أن أحتفل معكم اليوم أيضًا بعيد الفصح: في هذا المكان المقدس، أطلب من الله أن يمنحني القوة والشجاعة والثبات لأبذل حياتي في سبيل هذه الكنيسة، ولحبها وقيادتها بصبر وبروح أبوية".
أضاف: "ليست هذه المرة الأولى التي أتيت فيها إلى هذا القبر لبدء خدمة جديدة في كنيسة الله هذه. جئت هنا كاهنًا جديدًا قبل 30 سنة. وبعد سنوات من الدراسة والخدمة، أتاحت لي أن أعرف البيئة والبلد بصورة أفضل، بدأت هنا مهمتي حارسًا للأراضي المقدسة. وهي خدمة جعلتني أزداد معرفة لحقيقة كنيسة القدس، الكنيسة الأم، وأن ألمس بيدي نعمة الأماكن المقدسة واحتياجات الإخوة فيها. وعدت إلى كنيسة القيامة لأبدأ ولأشكر الله لأمانته ومرافقتي بنعمته في السنوات الأربع الماضية التي خدمت فيها كنيسة القدس كمدبر رسولي. كانت سنواتٍ فيها تعب وصعاب، لكنها أيضًا سنواتُ خبرة كنسية عميقة. وعندما فكرت مرة أخرى أن الوقت قد حان للمغادرة، فأبدأ مرحلة جديدة في مكان ما، أعادتني كلمات الأب الأقدس، البابا فرانسيس، إلى هنا. أراد الرب أن يعيدني إلى هنا مرة أخرى، ليذكّرني أنه عليَّ أن أحتفل بالفصح معكم هنا".
ابع البطريرك بيتسابالا: "إننا نسير مع إله نعرفه نحو مستقبل لا نعرفه. المستقبل مجهول، خاصة في هذا الزمن، الذي يبعث على الخوف والقلق. لهذا، إننا نسلِّم أنفسنا لله الذي عرَّفَنا به وأوحاه إلينا يسوع المسيح. فيه نجد عزاءنا وقوتنا. هنا نستعيد ذكرى كل أحداث حياتنا، الجماعية والفردية، ونتذكر كم مرة ظل الله معنا أمينًا ومُحِبًّا. الذاكرة ضرورية لبناء جسر بين حاضرنا المليء بالهموم والمخاوف وبين مستقبل مبني على الرجاء الذي نجده في الله الذي التقيناه وعرَّفنا به يسوع المسيح".
وقال "أتذكر السنوات التي مضت، فأدرك كيف أرشدني الرب ورافقني في العديد من الخيارات التي لم أكن وحدي قادرًا على بلوغها. وفي كل مرة، كان عليَّ أن أعود أنا عن طرق أخرى كانت تلوح لي. يمكننا أن نقول الأمر نفسه عن كنيستنا. بالرغم منّا نحن أنفسنا، بالرغم من كل شيء، فإن القائم من بين الأموات يرشدنا وينتظرنا بصبر وأمانة، ولا يسمح بأن نُجرَّبَ فوق طاقتنا (راجع 1 قورنتس 10: 13). واليوم أيضًا، قادنا إلى هنا، أنا وأنتم، معًا، لنعود ونبدأ الرحلة من جديد، ومن هنا نعود لمتابعة مسيرتنا باندفاع وفرح جديد. مثل بطرس عند بحيرة طبريا، لنثِقْ بكلمة الرب ولنُلقِ الشبكة (راجع لوقا 5: 5). ولنبدأ واثقين خدمتنا هذه الجديدة لكنيسة القدس".
أضاف غبطته: "بالطبع، لا يسعني إلا أن أشعر بمشاعر الخوف في مواجهة مهمة تتجاوز قدراتي. لكني أقبل هذه الطاعة الجديدة وأريد أن أحملها بفرح. إنها بالتأكيد صليب، لكن الصليب يحمل ثمار الخلاص في كل مرة نقبله بفرح. صليب ابن الله، الذي رُفِعَ هنا على بعد أمتار قليلة، هو الذي أعطى معنًى لكل الصلبان في العالم. أعلم أنني لست وحدي. بدون تعاون الكهنة، والرهبان والراهبات والمؤمنين، لا يستطيع الأسقف أن يقود قطيعه، ولا أن يكون صورة الراعي الصالح. اليوم أنتم معي، ربما ليس بالعدد الذي وددنا لو كان، لكنني أعلم أنه من مختلف أنحاء الأبرشية والعالم، ينضمّ العديد من المؤمنين والحجاج من أبرشيتنا وغيرهم إلينا للصلاة من أجلي. بهذه الروح يمكننا أن نكون كنيسة، كنيسة القدس الأم".
تابع: "هناك العديد من التوقعات من جماعتنا الكنسية المتنوعة، وكلها جزء من دعوة كنيستنا ورسالتها. هناك انتظار لانطلاقة رعوية جديدة تأخذ في الحسبان مختلف أجزاء الأبرشية وثقافاتها، وعلينا أن نعرف كيف نوجد الوحدة بين الجميع. وتنتظرنا المشاكل الاقتصادية والاجتماعية الهائلة، وقد تفاقمت بسبب الجائحة المستمرة. تنتظرنا كلمة واضحة وهادئة في السياسة، المتقلبةِ وقصيرةِ النظر، وهي عبءٌ ثقيل على الحياة اليومية لجميع عائلاتنا. وينتظرنا اللقاء مع الكنائس الشقيقة الأخرى ومع الإخوة المسلمين واليهود. إن العيش في نور القيامة يعني أن نعرف أن نحمل إلى الجميع، ونشهد أمام الجميع للرجاء المسيحي الذي يسندنا".
وقال البطريرك بيتسابالا: "أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، أدعوكم للصلاة من أجلي ومن أجل كنيستنا كنيسة القدس التي نحبها، حتى أتمكن من قيادتها وخدمتها، حتى أتمكن من أن أحبها بقلب غير منقسم. ليس لدي "موهبة الألسنة" (1 قور 13: 8)، لكنني أؤكد لكم الرغبة الصادقة في الوصول إلى قلوب الجميع، لا سيما أولئك الذين يواجهون الآن الصعاب والضيق".
وخلص البطريرك اللاتينية الأورشليمي إلى القول: "من هذا المكان، يكرر لنا الرب القائم من بين الأموات مرة أخرى الكلمات التي قالها للنساء يوم القيامة: "لا تخفْن.َ اذهبْنَ وَأَخبِرْنَ إِخوَتِي..." (متى 28: 10). لنسمع هذه الكلمات والرسالة التي ما زالت تنطبق علينا اليوم. هذه هي كلمات المسيح القائم من بين الأموات، يجب أن يتردد صداها دائمًا في قلوبنا. نحن لسنا وحدنا. لسنا أيتامًا. يجب ألا نخاف. إننا على يقين أن القائم من بين الأموات سيتمكّن مرة أخرى من أن يملأنا بروحه ويجعلنا شهودًا أقوياءَ لمحبته في أرضه".
No comments:
Post a Comment